فصل: (فرع: جعل المخرج لمن سبق)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: الرد لا يستوجب العوض]

وإن رد عبده بإذنه، ولم يشرط له عوضًا.. فهل يستحق عليه أجرة المثل؟ على الأوجه الأربعة المذكورة في الإجارة، الصحيح: أنه لا يستحق عليه.
وإن قال: من رد عبدي فله دينار، فرده من لم يسمع قوله ولا بلغه.. لم يستحق عليه شيئًا؛ لأنه متطوع.
وإن قال رجل: من رد عبد فلان فله دينار، فرده رجل.. استحق الدينار على الذي قال ذلك؛ لأنه التزم العوض فلزمه بالعمل. وإن نادى، فقال: قال فلان: من رد عبدي فله دينار، فرده رجل.. لم يلزم المنادي شيء؛ لأنه حكى قول غيره، ولم يلتزم ضمانه. فإن أنكر مالك العبد أنه قال ذلك.. فالذي يقتضي المذهب: أنه المنادي إذا كان عدلًا وشهد عليه بذلك.. حلف من رد العبد معه إذا صدقه، واستحق على مالك العبد الدينار، وإن لم يكن عدلًا أو لم يشهد عليه.. لم يلزم المنادي شيء؛ لأنه يقول: أنا صادق، ومالك العبد كاذب، فلا يلزمني الغرم بكذبه، ولأنه لا يلتزم ضمانه، فلا يلزمه بالحكاية.

.[مسألة: يستحق الجعل بتمام العمل]

فإن قال: إن جئتني بعبدي فلك دينار، فرده حتى صار على باب البلد، فهرب العبد أو مات.. لم يستحق العامل شيئًا؛ لأن المقصود رده، ولم يوجد ذلك.
والفرق بينه وبين الأجير في الحج ـ إذا عمل بعض العمل فمات.. أنه يستحق بقسط ما عمل في أحد القولين ـ: أن المقصود بالحد تحصيل الثواب، وقد حصل للمحجوج عنه الثواب ببعض العمل، والمقصود هاهنا الرد، ولم يوجد، ولأن الإجارة عقد لازم.. فلزمت الأجرة بنفس العقد، وهاهنا الجعالة عقد جائز.. فلم تلزم إلا بالعمل.

.[فرع: ما يستحق لبعض العمل]:

قال ابن الصباغ: فإن قال رجل لآخر: إن علمت ابني القرآن فلك كذا وكذا، فعلمه القرآن أو بعضه، ومات الصبي.. استحق الأجير بقدر ما علمه؛ لأن العمل وقع مسلمًا؛ لأن الصبي لا تثبت يد المعلم عليه.
ولو قال: إن خطت لي هذا الثوب فلك درهم، فخاط نصفه، وتلف الثوب في يد الخياط.. لم يستحق شيئًا؛ لأن رب الثوب لم يتسلم العمل.
وإن قال رجل: من رد عبدي من موضع كذا.. فله دينار، فرده رجل من نصف تلك المسافة.. استحق نصف الدينار؛ لأنه عمل نصف العمل، وإن رده من أبعد من الموضع المذكور.. لم يستحق أكثر من الجعل المسمى؛ لأنه تطوع بما زاد عليها.
وإن أبق له عبدان، فقال: من ردهما فله دينار، فرد رجل أحدهما.. استحق نصف الدينار؛ لأنه عمل نصف العمل. وإن قال: من رد عبدي فله دينار، فرده جماعة.. اشتركوا في الدينار؛ لاشتراكهم في الرد.
وإن قال لرجل: إن رددت عبدي فلك دينار، وقال لآخر: إن رددته فلك ديناران، وقال لآخر: إن رددته فلك ثلاثة، فردوه جميعًا.. استحق كل واحد منهم ثلث ما شرطه له؛ لأن كل واحد منهم عمل ثلث العمل. وإن شرط لواحد منهم جعالة فاسدة، ولآخرين جعالة صحيحة.. استحق من شرط له جعالة صحيحة ثلث ما سمى له، ويستحق من شرط له جعالة فاسدة ثلث أجرة مثله اعتبارًا بالانفراد.

.[فرع: معاون المجعول له لا يستحق عوضًا]

وإن قال لرجل: إن رددت عبدي فلك دينار، فرده معه رجلان آخران، فإن قالا: عاوناه في الرد.. استحق المجعول له الدينار، ولم يستحقا شيئًا؛ لأنهما عملا له بغير عوض.
وإن قالا: شاركناه في العمل لنشاركه في الجعل.. استحق المجعول له ثلث الدينار؛ لأنه عمل ثلث العمل ولا شيء للآخرين؛ لأن مالك العبد لم يشرط لهما شيئًا، وإنما شرط للثالث.

.[مسألة: فسخ الجعالة]

الجعالة عقد غير لازم؛ لأنها عقد على عمل مجهول بعوض، فكانت غير لازمة، كالقرض.
إذا ثبت هذا: فيجوز لكل واحد منهما فسخها، فإن فسخها العامل قبل العمل أو قبل تمامه.. لم يستحق شيئًا، وإن فسخها رب المال، فإن كان قبل أن يبتدئ العامل شيئًا من العمل.. لم يستحق العامل شيئًا من الأجرة؛ لأنه إنما عمل بقول رب المال، وقد رفع ذلك، وإن فسخ بعد تمام العمل.. لم يسقط عنه ما بذله من الجعل؛ لأنه قد استقر بالعمل، وإن كان بعد أن عمل العامل شيئًا من العمل.. استحق العامل أجرة ما قد عمله؛ لأنه ليس له إسقاط عمله بغير عوض.

.[فرع: تعداد الجعل]

إذا قال: من رد عبدي فله عشرة دراهم، ثم قال: من رده فله درهم، أو قال: من رده فله درهم، ثم قال: من رده فله عشرة.. كان الاعتبار بالبذل الأخير؛ لأنه عقد غير لازم، فجاز النقصان والزيادة في عوضه، كالربح في القراض.

.[مسألة: اختلفا في العوض وقدره]

وإن قال العامل: شرطت لي العوض في رد عبدك، وقال مالك العبد: لم أشرط لك، أو قال العامل: شرطت لي العوض في رد هذا العبد، فقال: بل شرطت لك في رد غيره، ولا بينة.. فالقول قول رب المال؛ لأن الأصل براءة ذمته.
وإن اختلفا في قدر العوض المشروط.. تحالفا، ووجب للعامل أجرة المثل، كما قلنا في المتبايعين إذا اختلفا في ثمن السلعة بعد هلاكها.
وإن قال: أنا رددت عبدك الآبق، وقال العبد: بل جئت بنفسي، وصدقه المولى.. فالقول قول المولى مع يمينه؛ لأن الأصل عدم رده. وبالله التوفيق

.[كتاب السبق والرمي]

الأصل في جواز المسابقة: الكتاب، والسنة، والإجماع.
أما الكتاب: فقوله تعالى: {قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} [يوسف: 17]. فذكر الله المسابقة في شرع من قبلنا، ولم ينكرها، فدل على جوازها.
وأما السنة: فقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا سبق إلا في نصل، أو خف، أو حافر».
وأجمعت الأمة على جواز المسابقة. إذا ثبت هذا: فتجوز المسابقة على الخيل والإبل؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سابق بين الخيل».
وروي: «أنه كان للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ناقة تسمى العضباء لا تسبق، فجاء أعرابي على قعود له، فسابقها، فسبقها، فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه، فقالوا: يا رسول الله، سبقت العضباء‍! فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنه حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا ـ وروي: من هذه القذرة ـ إلا وضعه».
وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا سبق إلا في نصل، أو خف، أو حافر».
وروي: (لا سبق) بسكون الباء وبفتحها، فبسكونها: هو المصدر، وبفتحها: هو المال المسابق عليه. وأما (النصل): فهي السهام التي يرمى بها، مثل: السهام العربية، والنشاب. وأما (الخف): فهي الإبل. و(الحافر): الخيل.
ويجوز ذلك بغير عوض؛ لما «روى سلمة بن الأدرع، قال: أتى علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونحن نترامى، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: حسن هذا لعبًا، ارموا، فإن أباكم إسماعيل كان راميًا، ارموا، واركبوا، ولأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا»
ويجوز ذلك بعوض؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا سبق إلا في نصل، أو خف، أو حافر».
و(السبق) ـ بفتح الباء ـ: هو المال المتسابق عليه.
«وسئل عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هل كنتم تراهنون؟ فقال: نعم، راهن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على فرس له، فجاءت سابقة، فهش لذلك وأعجبه» والرهان
لا يكون إلا على عوض. وهل تجوز على الفيل؟ فيه وجهان:
أحدهما: يجوز؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا سبق إلا في نصل، أو خف، أو حافر». والفيل له خف، ويقاتل عليه، فهو كالإبل.
والثاني: لا يجوز، وبه قال أحمد؛ لأنه لا يصلح للكر والفر، فهو كالبقر.
قال ابن الصباغ: والأول أولى، لأنه يقال: إنه يسبق الخيل.
وفي جواز المسابقة على البغال والحمير قولان:
أحدهما: لا تجوز؛ لأنها لا تصلح للكر والفر.
والثاني: تجوز، وهو المشهور؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أو حافر».
وتجوز المسابقة على الأقدام بغير عوض؛ لما روي «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أنها قالت: سابقت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرتين، فسبقته في المرة الأولى، فلما بدنت.. سبقني، وقال: هذه بتلك».
يقال: بدن الرجل ـ بضم الدال وتخفيفها ـ: إذا سمن. وبدن ـ بفتح الدال وتشديدها ـ: إذا كبر، يبدن تبدينًا. قال الشاعر
وكنت خلت الشيب والتبدينا ** والهم مما يذهل القرينا

وهل تجوز المسابقة على الأقدام بعوض؟ فيه وجهان:
أحدهما: تجوز، وبه قال أهل العراق؛ لأنه يحتاج إليه الراجل في القتال، كما يحتاج إليه في الفرس للقتال.
والثاني: لا تجوز، وهو المنصوص، وبه قال أحمد؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا سبق إلا في نصل، أو خف، أو حافر». و(السبق) ـ بفتح الباء ـ: هو المال المسابق عليه.
وتجوز المسابقة على الطير بغير عوض، وهل تجوز المسابقة عليها بعوض؟ فيه وجهان:
أحدهما: تجوز؛ لأنه يستعان بها في الحرب في حمل الكتاب بالأخبار.
والثاني: لا يجوز، وهو المنصوص؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا سبق إلا في خف، أو نصل، أو حافر». والطيور ليست بواحد منها.
وتجوز المسابقة على السفن بغير عوض، وهل تجوز المسابقة عليها بعوض؟ فيه وجهان:
أحدهما: تجوز؛ لأنه يقاتل عليها في البحر، كما يقاتل على الخيل في البر.
والثاني: لا تجوز، وهو المنصوص؛ لما ذكرناه من الخبر، ولأنها ليست بآله للحرب، وإنما الحرب فيها.
وتجوز المصارعة بغير عوض، وهل تجوز بعوض؟ فيه وجهان:
أحدهما: تجوز، وبه قال أهل العراق؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صارع يزيد بن ركانة على مائة، فصرعه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان لا يصرع، ثم عاد، فصرعه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثم عاد فصرعه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأسلم، ورد عليه الغنم».
والثاني: لا تجوز، وهو المنصوص؛ لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا سبق إلى في نصل، أو خف، أو حافر». ولأن الصراع ليس بآلة الحرب.
وأما صراع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليزيد بن ركانة: فإنما كان طمعًا منه في إسلامه، ولهذا لما أسلم.. رد عليه الغنم.

.[مسألة: المناضلة بالرمي]

وتجوز المسابقة على الرمي بالقسي العربية والعجمية بعوض وغير عوض؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا سبق إلا في نصل، أو خف، أو حافر».
فإن قيل: فقد روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأى مع رجل قوسًا عجمية، فقال: لعن الله حاملها، عليكم بالقسي العربية وسهامها، فإنه سيفتح عليكم بها».
فالجواب: أن الأمة أجمعت على جواز الرمي بالأعجمية، فيستدل بهذا الإجماع على أن هذا الخبر منسوخ، وإن لم نعلم ناسخه، ويحتمل أن يكون إنما نهى عنها ولعن حاملها؛ لأن العجم لم يكونوا أسلموا يومئذ، فلذلك لعنهم، ومنع العرب أن يتعرضوا بما لا يعرفون ولم يألفوه.
وتجوز المسابقة على الرمي بالمزاريق؛ لأن لها نصلًا، ويقاتل بها، فهي كالسهام، وهل تصح المسابقة بالرمح والسيف والعمود؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا تجوز، وبه قال أحمد؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أو نصل»؛ لأنه لا يرمى بها، فلا معنى للمسابقة بها.
والثاني: تجوز، وقد قال الشافعي في (الأم) [4/148] (بكل ما ينكي العدو، من سيف، أو رمح، أو مزراق)، ولأنه سلاح يقاتل به، فهو كالنشاب.
وهل تجوز المسابقة على رمي الأحجار عن المقلاع بعوض؟ فيه وجهان، حكاهما الطبري في (العدة):
أحدهما ـ ولم يذكر ابن الصباغ غيره ـ: أنه لا يصح؛ لأنه ليس بآلة للحرب.
والثاني ـ ولم يذكر في (المهذب) غيره ـ: أنه يصح؛ لأنه آلة للحرب، فهو كالنشاب.

.[فرع: المسابقة على غير آلة الحرب]

وأما المسابقة على ما ليس آلة للحرب، كضرب كرة الصولجان، ورفع الأحجار، واللعب بالخاتم، وما أشبه ذلك.. فلا يصح بعوض؛ لأنه لا منفعة في ذلك للحرب.

.[مسألة: ما جاز أن يدفع له من أفراد جاز البذل له من بيت المال]

كل موضع قلنا: تجوز المسابقة بعوض، فيجوز أن يبذله السلطان من بيت المال، أو من مال نفسه؛ لما روى ابن عمر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سابق بين الخيل، وجعل بينها سبقًا»، ولأن في ذلك حثًا على تعلم الفروسية والرمي ليتقووا به على الجهاد، ويقع فيه الصلاح للمسلمين.
ويجوز أن يكون العوض من رجل من الرعية.
وقال مالك: (لا يجوز ذلك لغير الإمام).
دليلنا: أنه بذل مال لمصلحة، فصح من غير الإمام، كوقف الخيل في سبيل الله.
ويجوز أن يكون السبق من أحدهما، بأن يقول: سبقتك عشرة، فإن سبقتني.. فهي لك، وإن سبقتك.. فلا شيء لك علي ولا شيء لي عليك.
وقال مالك: (لا يجوز).
دليلنا: ما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مر بحزبين من الأنصار يتناضلون وقد سبق أحدهما الآخر، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ارموا، وأنا مع الحزب الذي فيه ابن الأدرع ". فكف القوم أيديهم وقسيهم، وقالوا: يا رسول الله صلى الله عليك، غلب من كنت معه. فقال: ارموا، وأنا معكم جميعًا»
ويجوز أن يكون السبق بينهما بشرط أن يدخلا معهما محللا على فرس مماثل لفرسيهما، فإن سبقهما.. أحرز السبقين، وإن سبقاه.. فلا شيء له.
وإن أخرج كل واحد منهما مالًا، ولم يدخلا بينهما محللا.. لم يصح.
وقال مالك: (لا يصح أن يكون المال منهما، سواء كان بينهما محلل أو لم يكن). وحكاه الطبري، وابن الصباغ، عن ابن خيران.
ودليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أدخل فرسًا بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق.. فليس بقمار، ومن أدخل فرسًا بين فرسين وقد أمن أن يسبق.. فهو قمار».
ومعنى قوله: «وقد أمن أن يسبق.. فهو قمار» أراد: إذا كان فرس المحلل بطيئًا لا يرجى له السبق.. فإن ذلك لا يجوز؛ لأن وجوده كعدمه.
ومعنى قوله: «وإن لم يأمن أن يسبق.. فليس بقمار» أراد: إذا كان مكافئًا لهما؛ لأن المكافئ يرجى له السبق.

.[فرع: صحة العقد بعوض معلوم حالا أو مؤجلًا]

ولا يصح العقد إلا أن يكون العوض معلومًا، إما معينا، أو في الذمة، وإذا كان في الذمة.. جاز أن يكون حالا ومؤجلًا، كما قلنا في الثمن والإجارة.
وإن قال أحدهما لصاحبه: سبقتك عشرة، فإن سبقتني فهي لك على أن لا أسابق، أو على أن لا أرمي أبدًا.. كان باطلا؛ لأنه شرط ترك ما هو مندوب إليه.
وإن قال: سبقتك عشرة، فإن سبقتني أخذتها وتعطيني قفيز حنطة.. قال الشافعي في "الأم" [4/148] (لم يصح؛ لأن العقد يقتضي أن لا يكون على السابق شيء، وإنما يكون على المسبوق).

.[فرع: عمل مخرج العطاء كالجعل]

إذا كان المخرج للسبق هو السلطان، أو رجل من الرعية، أو أحد المتسابقين.. فهو كالجعالة.
وإن كان المال من المتسابقين وبينهما محلل.. ففيه قولان:
أحدهما: أنه لازم، كالإجارة، لأنه عقد يشترط أن يكون العوض فيه والمعوض معلومين، فكان لازمًا، كالإجارة.
والثاني: أنه غير لازم، كالجعالة؛ لأنه عقد بذل العوض فيه على ما لا يتقين حصوله، فلم يكن لازمًا، كالقراض. والأول أصح.
فإذا قلنا: إنه كالإجارة.. كان الحكم في الرهن والضمان فيه حكم الإجارة.
وإن قلنا: إنه كالجعالة.. فحكم الرهن والضمان فيه حكم مال الجعالة، وقد مضى.
وأما الزيادة والنقصان في المال أو في السبق أو في الرمي: فإن قلنا: إنه كالإجارة.. لم يجز إلا أن يفسخا الأول، ثم يعقد ثانيًا. وإن قلنا: إنه كالجعالة، فإن اتفقا على الزيادة أو النقصان جاز، وإن طلب أحدهما ذلك، فإن كانا متساويين في السبق، أو في عدد الرمي والإصابة.. كان له ذلك، وقيل للآخر: إن رضيت بما طلب صاحبك، وإلا.. فافسخ العقد.
وإن كانا غير متساويين: فإن كان الذي يطلب الزيادة أو النقصان هو الذي له الفضل.. جاز؛ لأنه لا ضرر على الآخر بذلك.
وإن كان الذي يطلب الزيادة أو النقصان هو المفضول.. ففيه وجهان:
أحدهما: يجوز؛ لأنه عقد غير لازم.
والثاني: لا يجوز؛ لأنه لو قلنا: يجوز.. لأفضى إلى أن لا يسبق أحد أحدًا بحال.

.[فرع: جعل المخرج لمن سبق]

وإن كان المخرج للسبق هو السلطان أو رجل من الرعية.. نظرت:
فإن جعله فيما بينهم، بأن قال: من سبق منكم إلى الغاية.. فله عشرة، فإن كانا اثنين، وسبق أحدهما إلى الغاية.. استحق العشرة، وإن كانوا ثلاثة، فجاء اثنان منهم إلى الغاية جميعًا.. استحقا العشرة، كما لو قال: من رد عبدي.. فله دينار، فرده اثنان، وإن جاءوا جميعًا إلى الغاية في حالة واحدة.. لم يستحق واحد منهم شيئًا؛ لأنه لم يسبق بعضهم بعضًا.
وهكذا لو قال: من سبق منكم إلى الغاية.. فله عشرة، ومن صلى.. فله عشرة، وكان المتسابقون أكثر من اثنين.. صح؛ لأن كل واحد منهم يجتهد أن يكون سابقًا أو مصليًا. فمن سبق منهم إلى الغاية.. استحق العشرة، ومن صلى استحق العشرة أيضًا. ولا شيء لمن بعد المصلي. والمصلي: هوالثاني؛ لأن رأس فرس الثاني يكون عند صلا فرس الأول، فلهذا سمي مصليًا. قال الشاعر:
إن تبتدر غاية يومًا لمكرمة ** تلق السوابق منا والمصلينا

وإن جعل السبق لجميعهم، فإن لم يفاضل بينهم، بأن كانا اثنين، فقال: من سبق منكما فله عشرة، ومن صلى فله عشرة.. لم يصح؛ لأنه لا فائدة فيه؛ لأن كل واحد منهما يعلم أنه يستحق، سواء كان سابقا أو مسبوقًا فلا يجتهد.
وإن فاضل بينهما، بأن قال: من سبق منكما فله عشرة، ومن صلى فله خمسة.. ففيه قولان:
أحدهما: لا يصح؛ لأن كل واحد منهما يعلم أنه يستحق عوضًا، سواء كان سابقًا أو مسبوقًا، فلا يجتهد في الركض.
والثاني: يصح. قال ابن الصباغ: وهو الأصح؛ لأن كل واحد منهما يجتهد في الركض ليأخذ الأكثر.

.فرع: [المخرج للسبق أحدهما]

وإن كان المخرج للسبق أحد المتسابقين، فإن سبق المخرج.. أحرز سبقه، ولا يستحق الآخر شيئًا؛ لأنه لم يسبق، وإن سبق غير المخرج.. أخذ سبق المخرج.
وإن أخرج كل واحد من المتسابقين سبقًا، وأدخلا بينهما محللا.. نظرت:
فإن جاء الثلاثة إلى الغاية معًا، أو جاء المخرجان إلى الغاية في حالة واحدة وجاء المحلل بعدهما.. لم يستحق المحلل شيئًا؛ لأنه لم يسبقهما، ويحرز كل واحد من المخرجين سبقه؛ لأن أحدهما لم يسبق صاحبه.
وإن سبقهما المحلل إلى الغاية، ثم جاء المخرجان بعده معًا.. أخذ المحلل سبقيهما، لأنه سبقهما. وإن سبق أحد المخرجين، ثم جاء المحلل والمخرج الثاني معًا.. أحرز السابق سبق نفسه. وفي سبق المسبوق وجهان:
الأول: قال أبو علي بن خيران: لا يأخذه السابق ولا المحلل؛ لأنا لو قلنا: يأخذه السابق.. لكان هناك من يغرم مرة، ويغنم أخرى، وهذا قمار.
والثاني: المنصوص للشافعي: (أنه يأخذه السابق؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أدخل فرسا بين فرسين وقد أمن أن يسبق.. فهو قمار، وإن لم يأمن أن يسبق.. فليس بقمار»، ولأن المحلل يغنم ولا يغرم). وبهذا خرجا من القمار.
وعبر بعض أصحابنا عن هذين الوجهين، فقال: هل دخول المحلل لتحليل المال، أو لتحليل العقد؟ فيه وجهان، فإن قلنا: إنه لتحليل العقد لا غير.. لم يستحق المخرج سبق صاحبه، وإن قلنا: إنه لتحليل المال.. استحقه.
وإن سبق أحد المخرجين، ثم جاء المحلل بعده، ثم المخرج الآخر.. فإن المخرج السابق يحوز سبق نفسه، وفي سبق المسبوق أربعة أوجه، حكاها الطبري:
أحدها ـ وهو المنصوص ـ: (أنه للسابق المخرج).
والثاني: أنه للمحلل؛ لأنه سبقه.
والثالث: أنه لا يستحقه السابق المخرج ولا المحلل، وهو إذا قلنا: إن المحلل دخل لتحليل العقد.
والرابع: أنه بين السابق المخرج والمحلل؛ لأنهما سبقاه.
وإن جاء أحد المخرجين والمحلل معا إلى الغاية، وتأخر المخرج الآخر عنهما.. فإن المخرج السابق يحرز سبق نفسه، وفي سبق المسبوق وجهان:
الأول: المنصوص (أنه للسابق والمحلل).
والثاني: قال أبو علي بن خيران: يكون جميعه للمحلل.
وإن جاء المحلل أولا، ثم صلى بعده أحد المخرجين، ثم فسكل المخرج الثاني.. ففيه ثلاثة أوجه، حكاها الطبري:
أحدها ـ وهو المنصوص ـ: (أن سبقي المخرجين للمحلل؛ لأنه سبقهما).
والثاني: أن سبق المصلي للمحلل، وسبق الفسكل بين المحلل والمصلي.
والثالث: أن سبق المصلي للمحلل، وسبق الفسكل للمصلي. والأول أصح.